أطفال الشوارع
ماذا يريدون ؟
هل فكر أحدنا فيما يريده هؤلاء الأطفال هل سألوا أحد هؤلاء الأطفال ماذا يمثل الشارع بالنسبة له ولماذا يحبه ؟ إنهم ليسوا بحاجة إلي المال والإصلاحيات ودور الرعاية ، إنهم بحاجة إلي الحب والاهتمام بهم والسؤال عنهم ، لقد قال هنري فورد " إذا كان هناك سر للنجاح فهذا السر يكمن في قدرتك علي معرفة وجهة نظر الشخص الآخر ، ورؤية الأشياء من منظاره هو " .
ولننجح مع هؤلاء الأطفال يجب أن نبدي اهتماماً بهم ، ونحبهم ونعرف ماذا يريدون ونستمع لوجهة نظرهم لنري الأشياء من منظارهم . هذا هو ما فعلته " مجموعة التضامن مع أطفال الشوارع " حيث استقرت على الثالث والعشرين من فبراير من كل عام يوماً للتضامن مع أطفال الشوارع ، فأقامت للعام التالي علي التوالي احتفالية كبيرة تحت عنوان " أطفال الشوارع .. مسئولية مجتمع " ، بحديقة الطفل الثقافية بالسيدة زينب ، هدفها الأول احتواء هؤلاء الأطفال ومنحهم يوم ترفيهي ليتأكدوا من وجود من يساندهم في هذه الدنيا ، بالإضافة طرح مشاكلهم والمساهمة في حلها عن طريق ورش عمل يجتمع فيها الأعضاء والمتطوعون .
ضمت الاحتفالية أكثر من 40 جمعية مدنية مهتمة بأطفال الشوارع تواجد أعضاءها والمتطوعين من الشباب مع الأطفال يلعبون ويلهون ويستمعون إلى مشاكلهم المختلفة ، كما ضمت الاحتفالية أيضاً الفنان خالد أبو النجا سفير اليونيسيف للنوايا الحسنة .
[size=21]الفن رسالة وعلاج
كما ضم الاحتفال فقرات ترفيهية للأطفال من عروض مسرحية ، وأراجوز ، وحكايات ، وفقرات غنائية شارك بها الفنان محمد عدويه . ولم يغفل المنظمون أهمية تواجد وحدة خدمات طبية تحسباً إصابة أحد الأطفال وسط هذا الاحتفال الكبير .
من الإسكندرية شاركت جمعية "الإسكندرية للثقافات والفنون" ، وقد أفاد ماهر شريف لشبكة الأخبار العربية "محيط" ، أن الجمعية مشتركة في الاحتفالية بورشة صناعة كتب حكايات الأطفال ، حيث يتم حكاية القصة شفاهة ثم تحويلها إلى قصص مرسومة في كتاب يحتوي على مشاهد من الحكاية مكتوب عليها فقرات من القصة ، الأطفال يأخذون نسخة صغيرة من الكتاب ، ويكون الكتاب الكامل بعد ذلك ضمن وثائق الجمعية ومتاح للجميع الإطلاع عليه كتجربة .
مشيراً إلى أن الفن في حد ذاته رسالة وعلاج جيد لإصلاح سلوكيات أطفال الشوارع .
إساءة أقسام الشرطة
مأساة أطفال الشوارع أمس لم تختلف عن اليوم ، ولازالت الأطفال يتعرضون لانتهاكات كثيرة ، وقد تساهم الشرطة أحياناً في هذه الانتهاكات ، لذا أكدت الدكتورة هالة شكر الله الباحثة في العلوم الاجتماعية والمستشارة في التنمية ، أن هذه الفئة من الأطفال في حاجة إلى مثل هذا اليوم ، ليشعروا باهتمام المجتمع الذي فقدوه ، وليشعروا أنهم غير منبوذين من المجتمع أيضاً فيزدادوا حنقاً عليه .
ورغم أن الدراسات الرسمية لا تقر بمأساة أطفال الشوارع في أقسام الشرطة ، إلا أن الواقع يؤكد ذلك ، حيث يقص أحد الأطفال حكايته قائلاً : " أنا معرفش أهلي كنت عايش مع راجل كبير في السن اسمه عم صابر ، عشت معاه 5 سنين ولما مات صاحب العمارة طلب من مراته أنها تسيبني ليه كل يوم بليل ويديها فلوس كنير ، وكان عاوز يعمل معايا حاجات وحشة ، فهربت وسافرت كتير كنت بشحت وأمسح عربيات ".
ويتابع : " في مرة كنت نايم ولقيت واحد بيضربني على وشي ، صحيت لاقيته أمين شرطة وجرني على القسم علشان يشوف أنا عليا أحكام أم لأ .. أمين الشرطة في القسم كان بيوقفنا ويجردنا من ملابسنا ، ويضربنا بالقايش على ظهرنا ، واللي كان يبص وراه كان يخبط دماغه بالطبنجة ".
في نهاية حكايته يؤكد الطفل الذي لم يتعدَ الأربعة عشر عاماً من العمر أن الله يحبه لأنه تاب عليه من "مرمطة" الشارع ودخل إحدى الجمعيات الأهلية المعنية بأطفال الشوارع ، ويأمل في قطع شوط لا بأس به من التعليم حتى يصبح طبيباً يتمكن من علاج أمثاله من الأطفال مدمني شرب "الحشيش" وشم "الكللة " .
قسوة الإصلاحية
أما الطفل ( ح ) ، فأمنيته المستقبلية أن يعمل ضابطاً حتى يستطيع ضم جميع أطفال الشوارع في جمعيات تحميهم من مخاطر أقسام الشرطة والإصلاحيات ، وعبر عن أمنيتنه بقوله : أنا سبت البيت من زمان عشان مكانش عندنا فلوس ، أبويا وأمي سايبين بعض فقررت إني أخرج للشارع عشان أجيب فلوس ، كان في واحدة ست بتسرحني أنا وعيال كتير نبيع مناديل وتاخد مننا الفلوس وتسيب لنا جزء صغير قوي ، وآخر الليل نتكوم كلنا تحت الكبري ، وفي يوم جت الحكومة لمتنا كلنا ، ولما سألت الضابط انتوا واخدني على فين ضربني على وشي وقال لي كلام وحش وكانوا الظباط بيضربوني ، أما العيال اللي كانوا بيسرحوا معايا كانوا بيدافعوا عني من أي حاجة وحشة ".
ويضيف : " بعديها روحت الإصلاحية ، بس مقدرتش أعيش فيها عشان الشارع كان أحن عليا من المشرفين بتوع الاصلاحية ، وكان في حاجات وحشة بتحصل جوة مش مهم أقولها ، المهم إني هربت وطلعت تاني للشارع .. وكنت عارف ولد راح الجمعية خدني معاه وهنا رجعوني المدرسة تاني .
الحب مفتاح الحل
بفلسفة المشاعر صرح سفير النوايا الحسنة لليونيسيف الفنان خالد أبو النجا ، لشبكة الأخبار العربية " محيط" ، أن الحب هو مفتاح حل قضية أطفال الشوارع ، إذ يرى أن أصل مشكلة أطفال الشوارع ، أنهم مفتقدين للحب في المنزل ، وفي أقسام الشرطة ، وفي من يقابلونهم يومياً في الشارع ، في حين أن هذا الطفل يبحث عن نظرة حب في عيون الجميع .
ويتابع أبو النجا : " لو فكرنا جميعاً أن نسأل هذا الطفل عن أحواله في دقيقة، بدلاً من أن نعرض عنه أو نلقي له بالنقود غير مباليين ، سيشعر وقتها بجزء من الحب الذي لا يجده إلا مع أصدقائه في الشارع ".
ويؤكد سفير اليونيسيف للنوايا الحسنة ، لـ"محيط" أن مشكلة أطفال الشوارع في تفاقم مستمر ، وستتفاقم أكثر إذا لم تتكاتف أجهزة الدولة مع المجتمع المدني من أجل الاستقرار على خطة قومية حاسمة تقضي نهائياً على الظاهرة ، ولكننا نفتقد حب الطفل لمراكز التأهيل ، وهو الجزء الأهم في الحل .
ويضيف أبو النجا قائلاً : "إن الطفل لا يحب إلا الشارع وهذا سر فشل المحاولات الكثيرة في القضاء على الظاهرة ، ونتمنى أن يعامل الطفل كضحية في التشريع الجديد لا كمجرم كما هو وضعه في القانون الحالي ، فيجب أن يعامل في أقسام الشرطة كمجني عليه لا جاني . لقد حكي لي أحدهم أنه أجرى اتفاقية مع القسم مفادها أنه يذهب إليهم يومياً لينظف القسم ليتركوه بعد ذلك يذهب إلى الشارع من جديد ، لأنه يرى أن الشارع بيته وهم يحرمونه من بيته عندما يلقون القبض عليه".
ويرى خالد أبوالنجا ضرورة وجود مساحة أكبر من توعية أطفال الشوارع بحقوقهم في التعليم ، الرعاية صحية ، شهادة الميلاد والأوراق القانونية التي تمكنه من ممارسه حقوقه كأي طفل طبيعي .
كارثة بنات الشوارع
ما بين الاغتصاب والممارسات غير الشرعية تواجه بنات الشوارع مصيرهن المفزع مع أبناء مجهولي النسب ، لا يعترف بهم آباءهم حتى وإن دلت الأم عليه ، من هنا يظهر لدينا الجيل الثاني من أطفال الشوارع .
تقول إحدى البنات عمرها 17 عاماً : " أنا عارفة أبو الولد مين ، وهو مش عاوز يطلع له شهادة ميلاد .. نفسي يعملوا شهادة ميلاد باسم الأمهات .. كان نفسي ألعب وأعيش طفولتي زي بقية الأطفال ، أنا نفسي ابني يطلع ظابط لكن العيلة مش هتشرفه .. مش عارفة اعمل ايه دلوقت ؟ أطلع الشارع أسرق ؟ ولا أطلع أعمل حاجة غلط ؟ نفسي في شغلانة أمان طول الوقت ".
اغتصاب بنات الشوارع والتحرش بهن أصبح ظاهرة مفزعة ، تقول (غ) : " أنا هربت من البيت وأنا عندي 13 سنة ، قعدت فترة كبيرة في الشارع و حصل لي حالات اغتصاب كثيرة ".
أما ( إ ) تحكي موقف تحرش قائلة : " في مرة كنت عاوزة أروح الحمام فدخلت فندق كبير قوي ، واحد قال لي تعالي هنا .. ودخلني حمام الرجالة ودخل ورايا .. قعدت أزعق فخاف وطلعني " .
ظاهرة متنامية
بنات الشوارع ظاهرة متنامية وغريبة على المجتمع المصري ، لأن مجتمعنا لا يلقي ببناته في الشارع ، هذا ما تؤكده - ناولة درويش عضو جمعية المرأة الجديدة - لـ "محيط" : قائلة : غرابة الظاهرة تجعلنا نتساءل عن أسبابها ، وأنا شخصياً أعتقد أن السبب هو زيادة الفقر فلا تستطيع الأسر الإنفاق على بناتها وتعليمهن ، ومن هنا يلجأن إلى الشارع" .
وتضيف : نحن في المؤسسة نهتم ببنات الشوارع على وجه الخصوص ، لأنهن يساهمن بشكل أكبر في تفاقم الظاهرة ، إذ إن الممارسات غير الشرعية كثيرة والاغتصاب متواجد ، وبالتالي تنجب بنت الشارع أطفال بدون نسب فيزيد عدد أطفال الشوارع .
والحل من وجهة نظر- ناولة درويش - هو أن يتم السماح بنات الشوارع باستخراج شهادات ميلاد ، حتى ولو كتبوا باسم الأم كحل بدائي ، بالإضافة على ضرورة الأخذ بأقوال الأم إن أرشدت عن والد الطفل وإجراء تحليل الـ DNA لإثبات النسب ، مشيرة إلى أن حل مشكلة أطفال الشوارع لا يكمن في توفير أماكن للإيواء فقط وإنما إعادة إدماجهم في المجتمع كي لا يلفظهم المجتمع بعيداً ويعتبرهم مجرمين ، وهم في الواقع ضحايا ظروف مجتمع.
لمحة أمل
بشيء من الأمل يقول هاني هلال ، مدير مركز حقوق الطفل ، لـ"محيط" : بعد حادث التوربيني لم يتحقق أي حل عملي ، ولم يتم أي تعديل للسياسات الخاصة بالتعامل مع أطفال الشوارع ، لكن الشئ الوحيد الذي حدث هو تعديل قانون الطفل ، وأرى أنه نقلة ضخمة على مستوى التعامل مع أطفال الشوارع في مصر ستعطي مساحة كبيرة للمجتمع المدني أن يقول كلمته في الفترة القادمة .
ويضيف : ومن مميزات التعديل ، أن فلسفة القانون لأول مرة مضمونها يعني فلسفة حماية أكثر من كونها فلسفة عقاب ، كما أن القانون يضيف ميزة أخري وهي السماح باستخراج شهادات ميلاد للأطفال المولودين خارج إطار الزوجية الذين يندرج تحتهم الجيل الثاني من أطفال الشوارع .
ويؤكد هلال أن يوم التضامن هذا العام أصبح له صدى أكبر من العام الماضي ، وأصبحت الدولة مجبرة على تعديل سياساتها تجاه أطفال الشوارع ، بعد إقامة المهرجان لعامان متتاليان ، ولأن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني أننا سنواجه أزمة وجود أكثر من خمسة مليون توربيني .
أرقام وإحصاءات
جدير بالذكر أنه لا توجد في مصر بيانات رسمية دقيقة حول عدد أطفال الشوارع ، والأرقام تقديرية ، ويرجع ذلك إلى أن الأرقام ليست مؤسسة على أية مسوح حول ظاهرة أطفال الشوارع ، فضلاً عن أنها تخلط بين أعداد الأطفال العاملين ، وأطفال الشوارع ، هذا بالإضافة إلى الاختلاف في تعريف أطفال الشوارع فهل هم من يقضون معظم الوقت في الشارع ينامون في منزل مع أسرهم ؟ أم من يعيشون في الشارع ليل ونهار ؟ أم الاثنين معاً ؟ لكن الأعداد التقديرية تشير إلي وجود بين ربع مليون ومليونين طفل شوارع .
وتظهر بيانات تقارير الأمن العام عن الفترة من 1987 إلى 1991 ، أن إجمالي جنح التعرض للانحراف خلال تلك الفترة كان 11223 جنحة ، وتتوزع حول صور الانحراف على النحو التالي : تسول بنسبة 29.1% ، وجمع أعقاب السجائر بنسبة 3.8% ، ودعارة وقمار بنسبة 2.7% ، ومخالطة المشبوهين وأصحاب السوابق بنسبة 40.9% ، ومروق بنسبة 1.4% وهروب من التعليم بنسبة 8.1% ومبيت في الطرقات بنسبة 11.7% ، ولا وسيلة مشروعة للعيش بنسبة 2.3% .
وتشير هذه البيانات وغيرها ، إلى أن عدد الأطفال المعرضين للانحراف في مصر ، وتمت محاكمتهم في جنح أو جنايات ، هو في تزايد مستمر وفق بيانات تقارير الأمن العام ، فقد كان عدد جنح التعرض للانحراف عام 1987 هو 1298 ، وأصبح 3352 في عام 1991 . ترى إلى أين وصل عددهم في 2008 وفق الواقع لا التقارير الرسمية